عندما أصيب المهاجم البرازيلي رونالدو في مباراة فريقه إيه سي ميلان أمام ليفورنو في الدوري الإيطالي في شباط / فبراير من العام الماضي، واضطر إلى أن ينهي عقده مع فريقه ويغادر إلى البرازيل ليخوض رحلة علاج طويلة، انطلقت التوقعات التي تشير إلى أن مسيرة النجم البرازيلي الكبير مع كرة القدم في طريقها إلى زوال، وأن المسيرة الحافلة بالإنجازات والأرقام القياسية، كتب عليها أن تُختتم قسراً.
فاللاعب الموهوب الحاصل ثلاث مرات على لقب أفضل لاعب في العالم، وأكثر لاعب سجل أهدافاً في تاريخ بطولات كأس العالم، برصيد خمسة عشر هدفاً، وهداف كأس العالم 2002 برصيد ثماني أهداف، بدا في نهاية مسيرته مع الميلان وقد أرهقته الإصابات، وأتعبه المرض، فأصبح غير قادر على التحمل. فمن ناحية أصيب في ركبته اليسرى بقطع كامل في الوتر، وهي الإصابة الثالثة له في ركبتيه حيث سبق أن أجرى جراحتين لعلاج قطع في الرباط الصليبي لركبته اليمنى عندما كان لاعباً في صفوف إنتر ميلان. ومن ناحية أخرى زاد وزنه بشكلٍ كبير بسبب إصابته باضطراب في وظائف الغدد. لذلك توقع الجميع، حتى المقربين منه، أنه على وشك الاعتزال، ولعل هذا كان السبب الرئيسي في عدم رغبة ميلان في تجديد تعاقده مع المهاجم الكبير، رغم النقص الواضح في صفوفه.
إذا فالنهاية الحتمية لمشوار رونالدو في الملاعب كانت أمراً متوقعاً من الجميع، إلا شخص واحد فقط هو رونالدو نفسه، الذي تقبل الإصابة والتوقف القسري بصدر رحب وقرر أن يبدأ رحلة العلاج الشاقة، وأن يخضع لعملية جديدة وصعبة في ركبته، أقبل عليها بإصرار وتحد، ولم لا وهو الذي واجه جميع المصاعب في حياته الكروية بنفس الإصرار والتحدي وبنفس الابتسامة الطفولية.
واستعاد رونالدو سريعاً ذكرياته السابقة مع هذا النوع من الإصابات، وطالب بأن يقوم الطبيب الفرنسي جيرار سيلان بإجراء العملية الجراحية له في ركبته، وهو نفس الطبيب الذي سبق له معالجة رونالدو من إصابتيه في ركبته اليمنى قبل تسعة أعوام.
ورغم حالة التفاؤل التي أحاطت برونالدو والمقربين منه قبل هذه العملية، إلا أن هذا التفاؤل انقلب إلى حزن ووجوم بعد العملية عندما اكتشف أن رونالدو بحاجة إلى عام على الأقل ليستعيد قدرته وحيويته ومهارته، أي أنه لن يعود إلى الملاعب قبل أن يتخطى الاثنين والثلاثين عاماً، والمشكلة ليست في ركبته فقط بل في وزنه الذي يقبل الزيادة بشكل كبير كلما قلت حركته.
وتوالت الأخبار والتعليقات في ذاك الوقت، لتؤكد أن رونالدو قد انتهى كروياً. وجميعنا يتذكر تصريح بيليه الحزين عندما قال في الرابع عشر من آذار / مارس من العام الماضي أثناء تقديمه كسفير لبطولة كأس الليبراتادوريس في ساو باولو: "إنه شيء مخجل، أعتقد أن رونالدو لن يعود أبداً إلى الحال الذي كان عليه من قبل، لقد زرته عندما كان يعاني من إصابة مشابهة في الركبة اليمنى عام 2000، إلا أنه تعافى منها ولعب كأس عالم ممتازة بعد ذلك، أما الآن فسيواجه صعوبة كبيرة في التغلب على مشكلاته البدنية، بالفعل تحسنت حالته بالعلاج، ولكن سن رونالدو لن يساعده. إنني أتمنى له استعادة لياقته بنسبة 100%، ولكني للأسف لا أظن ذلك".
تحدي المصاعب
وبالفعل فقد كانت إمكانيات المهاجم الكبير وقدرته تختلف عن السابق، والدليل على ذلك أنه استمر فترة طويلة بعد شفائه من الجراحة يعمل على تقوية عضلاته ويهيئ مفاصله لتحمل المجهود. أما وزنه فقد زاد بشكل كبير، الأمر الذي تطلب منه مجهوداً بدنياً وعضلياً كبيراً ليستعيد لياقته، وهذا ما جعل مسألة عودته معقدة ومركبة، وهو ما دفع فريق فلامنغو البرازيلي إلى التراجع عن الرغبة التي أبداها بالتعاقد معه، وهي الرغبة التي سارع الفريق البرازيلي العريق إلى تأكيدها فور انتهاء عقد رونالدو رسمياً مع ميلان.
وكان هذا التراجع بمثابة لطمة شديدة لمجهودات رونالدو الحثيثة للعودة إلى المستطيل الأخضر، وأثرت هذه الصدمة على نفسيته وأفقدته توازنه لفترة ليست بالقصيرة، دخل خلالها في عدد من المشاكل، ولكنه سرعان ما استعاد قوته الذاتية وتصميمه الداخلي على العودة بعد أن عرض عليه فريق كورينثيانز البرازيلي التعاقد معه لعام واحد قابل للتجديد، ورغم أن هذا الفريق ليس من الأندية البرازيلية الكبيرة وليس له شعبية ولا جماهيرية مثل تلك التي يمتلكها سانتوس أو ساوباولو على سبيل المثال، إلا أن عرض كورينثيانز منح رونالدو أهم شئ كان يحتاجه في تلك الفترة، ألا وهو الأمل في العودة للمستطيل الأخضر، والأمل في أن يستعيد بريقه من جديد، حتى لو كان ذلك من خلال فريق صاعد حديثاً ويناضل من أجل البقاء في دوري الدرجة الأولى البرازيلي.
صعوبة العودة
وفور توقيعه على عقد رسمي مع كورينثيانز في كانون أول / ديسمبر الماضي قال رونالدو للصحفيين: "لم أنته ولم أخرج من عالم كرة القدم، وسأثبت ذلك للجميع في الملعب".
وحاول رونالدو أن يستبق الأحداث ويثبت ذلك سريعاً من خلال خوضه مباراة بين أصدقائه وأصدقاء النجم الفرنسي الشهير زين الدين زيدان أقيمت في مدينة فاس المغربية أواخر العام الماضي، يومها بدا وزن رونالدو زائداً وظهرت عليه السمنة بشكل واضح، وسيطر عليه التعب والإجهاد بعد مرور عشرين دقيقة فقط من بداية المباراة، وهو ما جعل جميع المحللين يشككون في إمكانية عودته من جديد، وشعر الكثيرون أن توقيع المهاجم الفذ عقداً مع كورينثيانز هو مضيعة للوقت أو "حلاوة روح"، حتى أن أندريه سانسيز رئيس كورينثيانز قال لرونالدو قبل توقيع العقد: " لن أضحك عليك، فنحن نريدك بصدق ولكن ليس لدينا المال لندفعه لك، فكورينثيانز نادي صغير وصاعد للتو للدرجة الأولى بعد عام أمضاها بين صفوف أندية الدرجة الثانية".
وبدا رونالدو مرناً وأكثر تصميماً على توقيع العقد ورد على سانسيز قائلاً: "لا يهمني المال ولن أتحدث عنه حالياً، فقط أريد أن ألعب...أريد أن أعود".
واحترم الجميع تصميم النجم الكبير، خاصة بعد أن نجح في إنقاص وزنه ثمانية كيلو غرامات دفعة واحدة، وبعد أن أقبل على التدريبات بقوة وبحماس، وبعد أن طالب مدربه بألا يميزه عن بقية زملاءه بالفريق أو يعامله أمامهم كنجم.
تجاهل إعلامي
وأخيراً كانت عودة المهاجم الكبير رسمياً إلى الملاعب في الرابع من آذار / مارس الماضي في مباراة فريقه أمام إيتومبيارا في كأس البرازيل لكرة القدم، وهي عودة تجاهلها الإعلام البرازيلي بغرابة. فقد ذكرت صحيفة "فولها دي ساو باولو" في عددها الصادر في اليوم التالي للمباراة قائلة: "بدأ رونالدو ببطء شديد وبدا عليه الإجهاد في النهاية". أما صحيفة "يو.أو.إل إسبورتي فوصفت عودت المهاجم المخضرم بأنها عادية.
واختلف الأمر كثيراً لدى مانو مينيزيس مدرب كورينثيانز الذي قال إنه سعيد بعودة رونالدو إلى المستطيل الأخضر بعد أن تغلب أخيراً على معاناته. وأضاف مينيزيس: "كانت بداية جيدة. فرونالدو تحرك جيداً وقدم بعضاً من مهاراته. وكان شيئاً مهما أن يستعيد إيقاع لعبه وحماسه".
أما رونالدو نفسه فقد قال: "أشعر بتحسن كبير، واشعر أني على الطريق الصحيح، وسأستعيد مستواي، فقط أطلب من الجميع المساندة، وأطلب من الصحافة والإعلام الابتعاد عن حياتي الخاصة، والاهتمام بما أقدمه داخل الملعب فقط".