مدينة يافا
1- يافا في العصر العربي الإسلامي (15 هـ -1367 هـ-636م -1948 م ): يتميز العصر العربي الإسلامي في مدينة يافا خاصة ، وفي فلسطين عامة ، بمميزات هامة تجعله مختلفاً تماماً عن العصور السابقة ، سواء منها البيزنطية ، أم الهيلنستية ، أم الفارسية ، أم غيرها . فالفتح العربي الإسلامي لفلسطين لم يكن من أجل التوسع أو نشر النفوذ ، أو إقامة الإمبراطوريات ، إنما بدوافع دينية لنشر دين الله ، وتخليص الشعوب المغلوبة على أمرها ، ويبدو ذلك بكل وضوح في عدم تعرض مدن فلسطين إلى أي تدمير عند فتحها . فلقد استطاعت الموجة العربية الإسلامية القادمة من الجزيرة العربية ، في القرن السابع الميلادي تحرير بني قومها من سيطرة البيزنطيين ، ومن ثم تعزيز الوجود العربي فيها ، ورفده بدماء عربية جديدة ، حيث سبقتها الموجات العربية القديمة ، من أنباط حوالي 500 ق.م. ، وآراميين حوالي 1500 ق. م. ، وآموريين ، وكنعانيين حوالي 3000 ق.م .
وكانت القبائل العربية المختلفة وفي مقدمتها طائفة من لخم يخالطها أفراد من كنانة قد نزلت يافا . وظلت الروابط العرقية والاجتماعية والثقافية والتجارية تتجدد بين فلسطين والجزيرة العربية الأم ؛ وعندما بدأ الفتح العربي الإسلامي ، تضامن عرب فلسطين والشام مع إخوانهم العرب المسلمين ، للتخلص من حكم الرومان الأجنبي وإضطهاده لهم .
لقد أصبحت فلسطين بعد الفتح العربي الإسلامي إقليماً من أقاليم الدولة الإسلامية ، ونعمت في ظلها بعصر من الإستقرار لم تعرفه من قبل ، فاستراحت من الحروب التي كانت تجعل أرضها ساحة للمعارك .
2- الدولة العثمانية : بعد إنهيار الحكم المملوكي ، دخلت كل من مصر وبلاد الشام ، بما فيها فلسطين في عهد الدولة العثمانية . وفي مطلع ذي القعدة عام 922 هـ ، كانون الأول ، ( ديسمبر ) 1517 م استسلمت المدن الرئيسية في فلسطين ، ومنها يافا ، والقدس ، وصفد ، ونابلس للدولة العثمانية دون مقاومة . كما امتد السلطان العثماني إلى جميع أقطار الوطن العربي . ومن الجدير بالذكر أن العرب كانوا يعتبرون الدولة العثمانية إمتداداً للدولة الإسلامية التي ورثت الخلافة الإسلامية ، وقضت على الدولة البيزنطية . ومن مميزات العهد العثماني أنه أبقى على وحدة الأقطار العربية ، وعلى العلاقات الطبيعية بينها ، إذ تشير الأدلة إلى وجود علاقات تجارية وثقافية وثيقة بين مصر وبلاد الشام عامة ، ومصر وفلسطين خاصة ، حيث وجد في مصر حرفيون فلسطينيون ينتمون إلى جميع المناطق الفلسطينية ، منهم اليافي ، والغزي ، والنابلسي ، والخليلي ، وغيرهم .
3- الانتداب البريطاني : بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ، وهزيمة الدولة العثمانية ، دخلت فلسطين في عهد جديد ، هو عهد الإستعمار البريطاني ، الذي عرف ب"الانتداب البريطاني" على فلسطين ، حيث ابتدأ بوضع فلسطين تحت الإدارة العسكرية البريطانية من سنة 1917-1920م ، وفي تموز 1920 م ، وقبل أن يقر مجلس عصبة الأمم صك الانتداب ، الذي كانت ستحكم فيه فلسطين ، بحوالي عامين ، حولت الحكومة البريطانية الإدارة العسكرية في فلسطين إلى إدارة مدنية ، وسبقت الحوادث ، ووضعت صك الانتداب موضع التنفيذ قبل إقراره رسمياً ، وعينت السير "هربرت صموئيل" اليهودي البريطاني "أول مندوب سامي في فلسطين" . وقد اختلف هذا العهد عن جميع العهود السابقة التي مرت بها المسيرة التاريخية للمدينة ، فقد طغت الأحداث السياسية في هذا العهد 1917- 1948 م على جوانب الحياة الأخرى للمدينة ، كما تميز هذا العهد بتنفيذ المخطط الصهيوني الإستعماري في فلسطين .
الكفاح المسلح : ومع تطور الأحداث والصدامات المسلحة ، أصبح الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الحقوق . وقد أعلن الشيخ عز الدين القسام ، الثورة المسلحة ضد اليهود والإستعمار البريطاني في فلسطين . وقد ألهب هذا الإعلان مشاعر المواطنين الفلسطينيين في كل مكان ، وانتشرت روح الجهاد ضد الاستعمار ، واقتنع الجميع بأن الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد لحماية الوطن . ثم استشهد الشيخ عز الدين القسام في 19/11/1935 ، وكان ذلك بمثابة إعلان الثورة . ومن ناحية أخرى فرض المندوب السامي البريطاني في فلسطين قوانين الطوارئ ، كما فرض نظام منع التجول على مدينتي يافا وتل أبيب ، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها يافا ومناطق أخرى من فلسطين بين العرب واليهود في نيسان (إبريل) 1936 م ، غير أن هذه الإجراءات لم تحل دون تأجج نار الثورة ، حيث حدثت عدة مصادمات بين العرب والجنود البريطانيين في يافا إحتجاجاً على وضع مساجد المدينة تحت الاشراف المباشر للسلطات البريطانية .
ونتيجة لتلك الأحداث التي انتشرت في يافا وفي معظم المدن الفلسطينية ، اجتمع زعماء يافا في مكتب لجنة مؤتمر الشباب ، وشكلوا لجنة قومية ، وقرروا الإضراب العام تعبيراً عن سخط الشعب الفلسطيني ومعارضته للهجرة اليهودية ، وشجبه للسياسة البريطانية الغاشمة في فلسطين . كما انتخبوا لجنة قومية للإشراف على الإضراب ، وقد استجابت لهذا الإضراب وأيدته ، وشاركت فيه هيئات عديدة من أنحاء فلسطين . وقبيل الحرب العالمية الثانية ، والظروف التي واكبتها ، توقفت الثورة الفلسطينية المسلحة مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) عام 1939م ، لكنها ظلت كامنة في نفوس المواطنين . وعندما حل عام 1947 م ، وعلى أثر إعلان قرار تقسيم فلسطين ، عادت الثورة المسلحة للظهور ، وحدثت عدة مصادمات وعمليات عسكرية في معظم أنحاء فلسطين . ويمكن حصر أبرزها في مدينة يافا على النحو التالي : بعد قرار التقسيم بأسبوع واحد ، نشبت معركة بين العرب واليهود في حي "تل الريش" شرق المدينة ، حيث استطاع المناضلون العرب إقتحام مستعمرة "حولون" المجاورة ، وفي مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) من 1947م قام اليهود بهجوم كبير على حي "أبو كبير" وقتلوا عدداً من المواطنين . وفي 4 كانون الثاني (يناير) عام 1948 م ، قام اليهود بعمل إجرامي كبير ، حيث نسفوا "سرايا الحكومة" في وسط المدينة ، والتي كانت مقراً لدائرة الشؤون الاجتماعية ، بواسطة سيارة ملغومة ، وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى . وفي 15 /5/1948 انسحبت القوات البريطانية من المدينة ، ودخلت القوات اليهودية الصهيونية وعلى رأسها عصابات الهاجانة المدينة وأعملت السلب والنهب والإستيلاء على ما تجده ، بعد هزيمة المجاهدين والمدافعين عن يافا .
السُكان والنشاط الاقتصادي
صورة تاريخية من عشرينات القرن العشرين تبين تحميل صناديق البُرتقال اليافاوي على القوارب اليافية ، ليتم نقلها بعد ذلك إلى سُفن الشحن الأوروبية الراسية خارج ميناء يافا .
لقد تطور عدد السكان في مدينة يافا خلال فترة الإنتداب البريطاني ، إذ أظهرت نتائج التعداد العام للسكان عام 1922 ، أن قضاء يافا احتل المركز الرابع ضمن مجموعات السُكان التي تضم أكثر من 50 ألف نسمة . أما التعداد العام للسكان عام 1931 فقد أظهر احتلال قضاء يافا المركز الثاني ضمن المجموعة التي تضم عدد سكان أكثر من 170 ألف نسمة ، وفي عام 1944 أصبح قضاء يافا يحتل المركز الأول بعد أن وصل عدد سكانه إلى 374 ألف نسمة ؛ ويرجع سبب هذه الزيادة إلى هِجرة الكثير من أبناء القرى والمدن الداخلية إلى المناطق الساحلية ، بسبب خصوبة التربة والأراضي الزراعية من جهة ، وإزدهار ميناء يافا من جهة أخرى .
وقد تنوعت الأنشطة الاقتصادية في مدينة يافا ومن أبرز مظاهر النشاط الاقتصادي :
1. الزراعة : انتشرت بساتين الحمضيات والفواكه والخضار حول المدينة واشتهرت مدينة يافا ببرتقالها "اليافاوي" الذي نال شهرة عالمية . ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل تستغل هذه الشهرة إلى يومنا هذا ، حيث تضع على كل حبة بُرتقال "يافاوي" تصدر إلى دُول العالم مُلصقاً صغيراً مكتوباً عليها "Jaffa" ، وهي علامة تجارية عالمية مُسجلة .
2.التجارة : كانت مدينة يافا ميناء فلسطين الأول قبل أن ينهض ميناء حيفا ، حيث كان ميناءاً للتصدير والإستيراد ، وقد صدرت من هذا الميناء الحمضيات والصابون والحبوب ، وتم إستيراد المواد التي احتاجت إليها فلسطين وشرق الأردن مثل الاقمشة والأخشاب والمواد الغذائية . أما على صعيد التجارة الداخلية ، فقد كانت مدينة يافا تعج بالاسواق والمحلات التي يزورها الكثير من سُكان القرى والمدن المجاورة . ومن أشهر أسواقها : سوق بسترس - سوق اسكندر عوض - سوق الدير - سوق الحبوب - سوق المنشية - سوق البلابسة - سوق الاسعاف .
3. الصناعة : وجدت في مدينة يافا العديد من الصناعات كصناعة التبغ ، والبلاط ، والقرميد ، وسكب الحديد ، والنسيج ، والبسط ، والورق ، والزجاج ، والصابون ، ومدابغ الجلود ، والمطابع .
معالم المدينة
يوجد في مدينة يافا العديد من المعالم التاريخية التي تشير إلى تراثها العربي الأصيل ، رغم تعرضها في مسيرتها الحضارية الطويلة إلى التخريب والتدمير مرات عديدة .
ضمت مدينة يافا سبعة أحياء وهي :
1. البلدة القديمة : ومن أقسامها الطابية والقلعة والنقيب .
2. المنشية : وتقع في الجهة الشمالية من يافا .
3. ارشيد : وتقع جنوب حي المنشية .
4. العجمي : وتقع في الجنوب من يافا .
5. الجبلية : وتقع جنوب حي العجمي .
6. هرميش "اهرميتي" : وتقع في الجهة الشمالية من حي العجمي .
7. النزهة : وتقع شرق يافا وتعرف بإسم "الرياض" وهي أحدث أحياء يافا .